عتبـــــــات النــــــص
''مؤلف اللص والكلاب''
يحيل مفهوم عتبات النص على مداخله بما تتضمنه من ألوان وكتابة وتشكيل. وعتبات النص ضرورية لفهم مضمونه دلاليا وجماليا.
- الألوان: يهيمن على غلاف المؤلف الألوان الساخنة كاللون الأسود والأحمر، فالأول يحيل على الليل والظلمة والخوف والرعب والثاني يحيل على الدم والخطر والرعب والحب. بالإضافة إلى الألوان الباردة كالأبيض والأصفر والأخضر التي تحمل صفات منها النقاء، الخضرة، والمرض... والتناقض في الألوان يرتبط بتنوع الأحاسيس ضمن موضوعات المؤلف.
- الكتابة: نجد عنوان المؤلف "اللص والكلاب" مكتوبا باللون الأبيض لإبرازه أكثر أمام الناظرين، ويتكون من شقين (اللص) (الكلاب) يربط بينهما حرف العطف الدال على العلاقة بينهما. فالشق الأول يحيل على الشخصية المتسمة بعدة صفات اجتماعية ونفسية وجسدية.. أما الشق الثاني فله دلالات كثيرة فقد يحيل على الحيوان بمختلف دلالاته الإيجابية والسلبية، وقد يحيل على الشخصيات المعاكسة للبطل. والربط بين اللص والكلاب يوحي بتداخل العلاقة بينهما في المؤلف.
- الصورة: تضم عدة مشاهد وأحداث في فضاء يوحي بالتمدن والعصرنة، فهناك المنازل والمقبرة وسيدة أنيقة ترتدي ملابس عصرية، بالإضافة إلى يد شخص تمسك بالمسدس وكذا وجود بعض الكلاب في المقبرة. وتوحي مكونات الصورة بنوع من الفزع والدهشة والصراع.
المتـــن الحكـــائــــي
تحكي رواية "اللص والكلاب" عن سعيد مهران الذي غادر السجن بعد أربع سنوات متجها نحو بيته القديم ليسترجع ابنته من الخائنين عليش ونبوية وينتقم منهما، لكن ابنته سناء رفضته، فاتجه إلى حوش الشيخ الجنيدي ليقضي عنده أولى ليالي الحرية. فوجئ سعيد بالتغير الذي حصل لأستاذه رؤوف علوان والتحول الطارئ على أفكاره فقرر زيارته ومن خلالها وقف على مظاهر انتقال أستاذه من خلال أفكاره والمبنى الجديد والقصر الذي يسكنه لكنه أيقن أن صديقه لن يستقبله بعدما رفض أن يشغله معه فقرر سرقته، وأدرك أن خيانته أكبر من خيانة زوجته وعليش. زار سعيد مقهى طرزان وطلب منه أن يمده بمسدس فلبى طلبه في هذا المقهى التقى بنور واتفق معها على تدبير كمين لزبونها فقاما بتنفيده وقامت بدعوته إلى بيتها في شارع نجم الدين بجوار القرافة، اتجه سعيد مهران إلى بيت عليش لاغتياله بعد تردد قرر إنجاز جريمته، فقام بالتسلل إلى البيت وعند سماعه لصوت رجل اعتقد أنه عليش فأطلق عليه النار وأرداه قتيلا ففر هاربا متوعدا رؤوف معتبرا إياه الخائن الرفيع فخطرت له فكرة الذهاب إلى بيت نور لكنه عدل عن الفكرة وقصد مسكن الجنيدي وبعد وصوله استلقى بملابسه كان مرهقا، غرق في حلم فضيع رأى أنه يجلد في السجن وأن ابنته سناء تنهال بالسوط على رؤوف... وعند استيقاظه من حلمه أدرك أنه نام حتى ساعة العصر، سمع صوت بائع الجرائد فاشترى منه جريدة ليفاجأ أنه قتل رجلا بريئا يدعى شعبان حسنين فأصبح مطاردا وصوره تعلو الجرائد. قصد سعيد بيت نور التي استقبلته بترحاب، قام سعيد بخياطة بذلة ضابط ليستعين بها على تنفيذ جريمته. كان شعوره الحاد بالوحدة يفترسه من الداخل وهو يستعيد ذكرياته القديمة، تذكر أشياء كثيرة وهو قابح في الظلام ينتظر عودة نور. تعود محملة بالجرائد وفي جريدة الزهرة لرؤوف وجد نفسه محور الأخبار التي تحكي عن تاريخه في اللصوصية. بعد خروج نور للعمل استرجع سعيد ذكرياته مع أبيه والشيخ واللحظة التي تعرف من خلالها على رؤوف بعد موت أبيه ولم يستطع إنقاذ أمه بدافع الحاجة مما دفعه لأول سرقة ومكان انتظاره نبوية، لكنه عاد إلى واقعه فخرج متجها نحو مقهى طرزان للتحدث معه ثم رجع إلى المنزل فوجد نور بانتظاره. طلب طرزان من سعيد عدم الحضور للمقهى لأن ذلك يشكل خطرا عليه.
قام سعيد باعتراض طريق بياضة وتهديده بمسدس وأخذ نقوده ليخبره عن مكان عليس باعتباره صديقه لكنه لم يفده بشيء ورجع سعيد إلى البيت ثم غادره ضابطا اكترى قاربا واتجه نحو قصر رؤوف فأطلق عليه الرصاص وفر هاربا إلى بيت نور التي نصحته بالهرب معها للعيش في سعادة. فشنت عليه الصحف حملة كبيرة بقيادة رؤوف علوان.
بعد انتظار سعيد لنور طويلا بدا له أنها لن تعود ثم غادر البيت متجها إلى مقهى طرزان وقدم له الطعام ثم عاد إلى البيت فجاءت امرأة طلبا لأجرة الكراء وقرر مغادرة الشقة متجها عند الشيخ علي الجنيدي متأسفا على نسيانه للبدلة.
عاد إلى شارع نجم الدين لكي يعترف لها بحبه الأبدي لكنه لم يجدها فرجع إلى بيت الشيخ وأثناء تواجده به سمع أصوات الكلاب وهي تقترب ففر هاربا باتجاه المقبرة حيث ستتم محاصرته وحيث سيتبادل إطلاق النار مع الشرطة قبل أن يستسلم.
البعد النفسي في المؤلف
يحضر البعد النفسي في المؤلف بشكل كبير حيث نجد تداخل مجموعة من الأحاسيس والانفعالات المتناقضة والتي تشمل جانب الحب، الكره، الخوف، الأمان... وهذا التداخل للعناصر هو الذي تسبب في عدة معاناة نفسية لكل عنصر وخاصة البطل سعيد مهران الذي كان يعيش صراعا داخليا متناقضا ومتعدد الأوجه. فمن جهة كان محبا : يحب من جهة نبوية التي كانت بينهما علاقة حب في الماضي انتهت بالزواج، وأحب نور أو شلبية التي كانت تحبه قبل دخوله إلى السجن وحافظت على ذلك الحب رغم ما عرفت عنه ورغم رفضه لها حيث استقبلته في بيتها واحتضنته وأعطته ذلك الحب الذي حرم منه من جهة نبوية المخادعة وابنته التي كانت تصده بقوة وتصرخ عند اقترابه منها، غير أنه كان يحبها ويعشقها وحاول محاربة الكل لاسترجاعها ومن أجلها قرر ترك نبوية على قيد الحياة.
ومن جهة أخرى نجد سمة الخوف وهي الطاغية في المؤلف، والجهات المعنية به تقريبا أغلبية شخصيات القصة وخصوصا نبوية وعليش اللذان يخافان سعيد وغضبه لذلك قاموا بتغيير المسكن. ثم خوف سعيد من مطارديه ومن المخبرين. كما أن نور أظهرت خوفا كبيرا من ضياع سعيد منها مرة أخرى وخصوصا عندما علمت بمغامراته، ثم خوف الابنة سناء من أبيها سعيد عندما رأته وكان هو يجري إلى جهتها ليضمها.
كما نجد كذلك الأمان، وهو شعور خاص افتقده سعيد مهران منذ الوهلة التي خرج فيها من السجن، فرغبته في الانتقام ومطاردته من طرف الشرطة والمخبرين حجبت عنه الأمان، ولذلك بحث عنه طويلا حيث كان يجده في بيت الشيخ الجنيدي الذي يلتجئ إليه عند الإحساس بأي خطر، بالإضافة إلى الأمان الذي يشعر به في بيت نور لأنها وفرت له الحماية من المطاردين وكان يختبئ هناك طويلا ليهنأ ببعض لحظات الهدوء والراحة، كما نجد الأمان الذي هرب إليه كل من عليش سدرة ونبوية.
كما سنتحدث عن سمة أخرى وهي الكره وهنا شكل رغبة شديدة لدى سعيد في الانتقام وذلك بسبب الخيانة التي تعرض لها لذلك أصبح يكره كل من ساهم في تلك الخيانة بمن فيهم عليش سدرة ونبوية التي تخلت عنه وبلغت عنه وتزوجت بعليش وكذا رؤوف علوان الذي تخلى عن مجموعة من المبادئ التي كان يحرص عليها ويزرعها في عقل سعيد. وكره رؤوف لسعيد ومهاجمته عن طريق الصحافة والتشهير به بالإضافة إلى رفضه لمساعدة سعيد بعد الخروج من السجن والتشهير به وبالإضافة إلى الكره نجد الحنان والشوق ويشعر بهما سعيد حيال ابنته التي تصده ولا تريد ربط أية صلة به في سجنه وبعد خروجه من السجن أيضا لأنه لم يستطع أن يرغمها على العيش معه والإحباط هو أيضا شعور ساهم في التأثير على شخصية سعيد بالإحباط عند إخفاقه في إصابة أهدافه التي تتجلى في الانتقام من عليش ونبوية ثم رؤوف علوان، وشعر به أيضا عند اختفاء نور التي تشكل نقطة نور وحيدة في حياته.
ثم نجد أيضا حضور الإحساس بالوحدة أثناء مكوثه في بيت نور وحده وعند اختفاء نور لأنها بمثابة المؤنس الوحيد له.
وهناك أيضا شعور سعيد بالضياع الكبير عند رفض ابنته له وخصوصا وأنها هي وحدها التي كان يطمح في حبها وعطفها لتعوضه عن ما مضى وتكرر نفس الشعور عند اختفاء نور التي لم يجد لها أثرا.
إلى جانب الإحساس بالحسرة والأسف عند اكتشافه قتل بعض الأبرياء عن طريق الخطأ.
ثم نجد كثيرا من العناصر الأخرى التي ساهمت في بناء البعد النفسي للمؤلف مثل فقدان الأمل عند محاصرة سعيد مما أدى به إلى الاستسلام.
دراسة الشخصيات
يعد تعدد الشخصيات خاصية من خصائص الرواية حيث إن طول الحدث يقتضي تعدد الأدوار والشخصيات القائمة بها. فنكون أما صورة مصغرة لمجتمع معين أو طبقة اجتماعية معينة، كما أن الرواية لا تكتفي بعرض الصفات الخارجية للشخصية كما تفعل القصة وإنما تفصل في تحليل دواخل الشخصية وتفسير التصرفات الصادرة عنها من خلال أبعاد مختلفة. ونحن في هذا العرض سنركز في دراستنا لهذه الشخصيات على ثلاثة أبعاد جسدية واجتماعية ونفسية.
1- سعيــــد مهـــــران : يجسد سعيد مهران دور البطولة وقد ركز الكاتب على هذه الشخصية وعلى بعض الشخصيات من خلال أبعادها الجسدية والنفسية والاجتماعية.
فمن خلال البعد الجسدي تتميز شخصية سعيد مهران بطول متوسط وجسم نحيل وقوي وعينين لوزويتين وأنف ... طويل (28).
أما من حيث البعد الاجتماعي فقد عمل خادما بعمارة الطلبة إلا أن حاجته وفقره أجبراه على امتهان اللصوصية فهو من طبقة فقيرة مطلق وأب لطفلة كما أنه خريج سجون ومجرم إلى جانب كونه إنسانا مثقفا أما فيما يخص البعد النفسي فنجده شخصية موزعة بين رغبته في الانتقام والثأر وشعوره بالمعاناة والألم والخيانة والغدر والنبذ والنكران وكلها أشياء جعلت منه شخصية حزينة ومضطربة وغاضبة وعنيدة، عازمة على تحقيق هدفها إلى جانب شعوره بالضياع واليأس.
ومن جانب آخر فهو يشعر بالوحدة والحاجة إلى الحب والأمان والطمأنينة وراحة النفس.
وإذا كانت شخصية سعيد مهران هي الشخصية الرئيسية فإن الشخصيات الأخرى رغم دورها الثانوي تظل ضرورية ومهمة لأنها تدفع بالأحداث نحو التطور وسنتمكن من إبراز أهمية هذه الشخصيات من خلال علاقتها بشخصية البطل.
2- رؤوف علوان: يتميز من حيث البعد الجسدي بوجه ممتلئ مستدير وأنف أفطس وفكين بارزين وأسنان بها لون أسود إلى جانب ساقين طويلين. (30-31)
أما من حيث البعد الاجتماعي فقد كان مجرد طالب ريفي بكلية الحقوق. أي أنه مثقف إلى جانب كونه عازبا، من طبقة فقيرة ومدافعا عن الحق والحرية وتحول إلى كاتب وصحفي معروف وغني ذي مكانة اجتماعية مرموقة.
كما شكل أستاذا وقدوة ودعما لسعيد مهران ومدافعا وحاميا له لكنه تطور وتحول إلى شخصية غير راضية عن مواقف البطل بل وأصبح غاضبا منه لأنه شخصية لم تعرف فقط تطورا في المستوى الاجتماعي بل حتى في طريقة التفكير فقد أصبح إنسانا مخادعا واستغلاليا وانتهازيا يشهر ويفضح ماضي صديقه القديم وبذلك انضم إلى قائمة الأعداء والخونة. ذلك أن مبادئه وأفكاره وكل القيم النبيلة التي علمها لسعيد مهران. من خلال كل هذا نلاحظ أن العلاقة بين سعيد مهران ورؤوف علوان هي علاقة مزدوجة ومتحولة حيث كانت تربطهما علاقة صداقة وود وتحولت إلى علاقة عداوة وصراع.
3- نور: تتميز جسديا بجسم نحيف وشعر رأس قصير، رائعة الجمال. أما اجتماعيا فيه امرأة عازبة وشابة في الثلاثين من العمر مومس سيئة السمعة وسكيرة.
أما من حيث البعد النفسي فهي شخصية محبة ومخلصة لسعيد مهران كما أنها خير دعم ومساعد له عند الحاجة تخاف فقدانه وتحزن على حاله تحاول نصحه وإقناعه بالعزوف عن قراره والاستقرار معها. تشعر باليأس والأسى والوحدة. كما شكلت أملا وضاء في حياة سعيد.
هكذا يتبين لنا أن علاقة سعيد مهران بنور هي علاقة حب من طرف واحد فهي مجرد شخص يحتاجه لمساعدته ويشعر بامتنان له. أما فيما يخص سعيد فهو حبها القديم والمستحيل كما أنه رجل حياتها.
4- الشيخ علي الجنيدي : البعد الجسدي لهذه الشخصية : وجهه نحيل فائض الحيوية بين الإشراق، تحف به لحية بيضاء كالهالة شفتاه غارقتان في البياض. أما البعد الاجتماعي : شيخ ناسك متعبد في صومعته كثير الدعاء والذكر يحيي الأذكار وهو شخص مضياف قدم المأوى لسعيد مهران ونصوح يقوم بإسداء نصائح لسعيد مهران ويرشده إلى الطريق الصحيح، يسكن في حجرة قديمة بها بعض الكتب القديمة والفراش البسيط. وهو شخص حكيم متدين، هادئ، غامض، غارق في عالم المثل (روحي) وكلامه عبارة عن ألغاز وعبارات صوفية مبهمة. ورغم كونه شكل سندا نفسيا لسعيد إلا أنه عجز عن تقديم أي حل لإخراجه من ورطته بل عجز حتى عن تمكينه مما يكفيه من طعام مما جعل سعيد مهران يولي وجهه للجدار.
5- شخصيــة نبويــة: شخصية تتميز من خلال البعد الجسدي بالجمال الفلاحي، مستديرة الوجه لها عينان عسليتان وأنف قصير وممتلئ وفم متشرب بماء الحياة. كانت تشتغل خادمة عند امرأة تركية، وهي زوجة سعيد مهران وأم ابنته كانت تساعده في التخطيط لسرقة البيوت، خانته مع تابعه عليش سدرة فأوقعت به في السجن ثم طلبت الطلاق منه. وقد أدت بها الخيانة والغدر إلى الشعور الدائم بالخوف من الانتقام ومطاردة سعيد مهران.
6- شخصيــة عليش: يتميز من الناحية الجسدية بضخامة الجسم بحيث يظهر بجسم برميلي ووجه مستدير ممتلئ اللغد تحت ذقن مربع وأنف غليظ محطم العرنين. كان من أتباع سعيد مهران قبل أن يخونه ويزج به في السجن حيث تزوج طليقته وسطا على أمواله وأصبح فتوة الحارة والعوض عن أب سناء، اضطر هو الآخر إلى الهروب والاختفاء خوفا من انتقام سعيد مهران.
7- المخبر "حسب الله" : تتميز هذه الشخصية من حيث البعد الجسدي بقامة طويلة وجسم عريض مما خول له امتهان هذه المهنة. أما من حيث البعد الاجتماعي فهو موظف حكومي يسهر على خدمة الحكومة وهو جار لعليش وعارف بالماضي الإجرامي لسعيد مهران، لذلك فهو يعارضه ويعامله معاملة سيئة وقاسية فيها نوع من السخرية والاستهزاء. والعلاقة التي تربطهما هي علاقة صراع.
8- رجال الشرطة : لقد أهمل الكاتب البعد الجسدي والاجتماعي لهؤلاء الشخصيات ولم يذكر كل واحد منهم على حدة، بل ذكرهم في صيغة الجمع. ولكن رغم إهماله لهذه الأبعاد فقد استحضر البعد النفسي لهم بحكم اشتراكهم فيه وهو بعد يتميز بالعيش في حالة تأهب واستعداد ومطاردة للبطل الذي يعتبر مجرما في نظر القانون وتربطهم مع البطل علاقة مطاردة وصراع.
9- المستأجرة : هذه الشخصية لا تختلف كثيرا عن شخصية الشرطة لأنها لم تظهر في الرواية إلا مرتين. وهي قليلة الصبر، تشعر بالغضب. وفي البعد الاجتماعي فهي صاحبة الشقة المستأجرة. ساهمت في تأزيم وضعية سعيد مهران حيث دفعته إلى ترك شقة نور والتوجه نحو نهايته.
10- سناء : فيما يخص البعد الجسدي لهذه الشخصية فهي تتميز بعينين لوزويتين ووجه مستطيل أسمر وأنف طويل وشعر أسود مسبسب(ص.11) أما البعد الاجتماعي فهي ابنة سعيد مهران ونبوية وهي طفلة صغيرة في السنة السادسة من عمرها، تعيش ميسورة في رعاية وراحة مع أمها وزوج أمها عليش (ص.12). الجانب النفسي : تشعر بالخوف من أبيها لكونها لا تعرفه وبالتالي قامت برفضه ونكرانه (ص.15) فسبب له الشعور باليأس والضياع مما أدى به إلى الإصرار أكثر على تحقيق هدفه وزادت من حقده ورغبته في الانتقام.
11- المعلم طرزان : المعلم طرزان يتميز بكونه يمتلك مقهى قديما وصغيرا يأتيه زبائن قلائل (ص.47) وهو صديق وفي لسعيد مهران يكن له كل الاحترام ويساعده عند الحاجة يقف بجانبه ويدعمه في قراره.
12- الأب : من حيث البعد الاجتماعي ينتمي إلى طبقة فقيرة عمل بوابا بعمارة الطلبة. أما نفسيا فقد كان متدينا وأحد مريدي الشيخ علي الجنيدي. كان لموته أثر كبير في حياة سعيد مهران حيث كان سببا في عدم تمكنه من إكمال دراسته وتحمله للمسؤولية في وقت مبكر، واضطراره إلى اللصوصية التي غيرت مجرى حياته.
13- الأم : كان لمرضها ومشاهدة سعيد لها تموت أمام عينيه جراء عجزه عن تحمل تكاليف المستشفى أثر كبير وعميق في نفسيته. وكان ذلك دافعا له لامتهان اللصوصية، والحقد على من يسميهم كلابا.
الرؤى السردية في اللص والكلاب
الرؤى السردية ثلاثة أنواع: رؤية من خلف، رؤية من خارج، رؤية مصاحبة.
بالنسبة للرؤية من خلف يكون فيها علم السادر أكبر من علم الشخصيات، يعرف عنها كل شيء من حيث الجانب النفسي والثقافي... وبالتالي فهو يعرف دواخلها وخوارجها، وفي هذه الرؤية يستعمل السارد ضمير الغائب. ومن أمثلتها يقول السارد في الصفحة الأولى: " مرة أخرى بتنفس نسمة الحرية ولكن الجو غبار خانق وحر لا يطاق، وفي انتظاره وجد بدلته الزرقاء وحداءه المطاط وسواهما لم يجد أحدا في انتظاره..." كما نجد في الصفحة 88 " لا يمر يوم دون أن تستقبل القرافة ضيوفا جددا..."
أما الرؤية الثانية فهي رؤية من خارج وفيها يستخدم السادر الحوار ويكون فيها علمه أقل من علم الشخصيات ومن أمثلتها الحوار الذي دار بين بياضة وسعيد في الصفحة 10 (العودة من أين؟ لدي حساب يجب أن أسويه – فتساءل في وجه ممتعض مع من؟ - أنسيت أنني أب ؟...) إلى جانب الحوار الذي دار بين سعيد مع الشيخ علي الجنيدي (السلام عليكم يا مولاي – وعليكم السلام ورحمة الله – أجلس دون استئذان لأني أذكر أنك تحب ذلك...) ثم هناك الحوار الذي دار بين سعيد ورؤوف علوان (أستاذ رؤوف... أنا سعيد مهران – سعيد... أووه... إركب سعيد كيف حالك يا رجل...).
إن اعتماد الرؤية من خلف بشكل كبير يؤكد كلاسيكية المسار السردي في الرواية ويبرز الطابع التحكمي الذي اعتمده نجيب محفوظ لتوجيه شخصياته وتوجيه مسار السرد نحو النهاية التي يريدها أن تخدم رؤيته الفكرية في إدانة الخيانة وغيرها من القيم السلبية. غير أن وجود الرؤية من الخارج يحد من سطوة الرؤية الأولى ويترك مجالا للتشويق وتكسير رتابة الرؤية السردية الواحدة. كما يوهم بالواقعية عندما يترك الشخصيات تتحدث بلغتها.
البعد الاجتماعي
1. الخيانة:
تعتبر الشخصيات في رواية اللص والكلاب عبارة عن رموز يعالج من خلالها الكاتب مجموعة من القضايا كالخيانة وتتضح من خلال خيانة نبوية وعليش سدرة لسعيد إضافة إلى إنكار سناء له، إلا أنه لا يبالي بهذه الخيانة لأنه يعتبرها شيئا محتملا على عكس رؤوف علوان حيث إن خيانته ليست خيانة ذاتية بل هي خيانة للقيم والمبادئ التي كان يدافع عنها في ما مضى "الحرية والثورة" (تخلقني ثم تغير بكل بساطة فكرك بعد أن تجسد في شخصي كي أجد نفسي ضائعا بلا أمل ولا قيمة وبلا أمل) إذن فسعيد مهران ورؤوف علوان هما وجهان لعملة واحدة، ومن هنا سننفتح على قضية أخرى هي الكفاح والثورة المتأزمة على الواقع الذي يقوده إلى قتل الأبرياء (من أنت يا شعبان أنا لا أعرفك.. فكشفت عن لغز أغمض ص 81) هذه القيمة فيما مضى كانت تحقق له الحرية بقيادة رؤوف علوان الذي كان بمثابة حصن وجدار يحميه ويحرسه ليتحول بعد ذلك إلى أحد مطارديه لهذا التجأ إلى التصوف في شخص علي الجنيدي ذلك الشيخ الزاهد في الدنيا إلا أنه لم يجد عنده الراحة ولا الأمان لأن الدين والحكومة راضيان عن تدهور القيم وهذا ما يتضح في الحلم ص 64/65. إلى جانب هذا نجد أيضا قوله: (من المؤسف أنني لم أجد طعاما كافيا كما أنه مؤسف أنني نسيت البدلة، كذلك عقلي يتعذر عليه فهمك، سأدفن وجهي في الجدار ولكنني واثق من أنني على حق. ص 134). إذن فإذا كان التصوف والدين لم يعد ملجأ لحماية القيم، وإذا كانت فكرة الكفاح قد اهتزت في وجدان المنتمي (سعيد مهران)، فإن الأمل الباقي هو الشعب الذي اعتبر بطلا وهذا الأمل هو ما جعله يفكر في اغتيال رؤوف علوان (إن رؤوف هو رمز الخيانة... وجميع الخونة في الأرض. ص110).
إلى جانب ذالك يمكن الوقوف عند قيمة الحب، حيث يعالج نجيب محفوظ في هذه الرواية اختفاء وإنكار قيمة الحب، فبالرغم من كل المعاناة والمآسي التي تعرض لها سعيد مهران إلا أن قلبه ما يزال يعرف معنى الحب، حب تلك الشوكة المنغرزة في قلبه، ابنته سناء. وحب نور التي لا طالما كنت له كل الحب والاحترام والتقدير والإخلاص والتي طالما واجهها بالجفاء والبرود والتي أصبح اليوم يبادلها كل معاني الإخلاص والحب بعد كل المساعدات التي قدمتها له إذ قرر أن يعترف لها من قلب ممزق بحب أبدي، إلا أن اختفاء نور حال دون هذه الرغبة الجامحة في المصارحة، وفي اختفاء نور وسناء اختفاء لكل القيم والمعاني النبيلة من حب وصدق وتضحية...
2. الحرية والخيانة:
تبتدئ رواية اللص والكلاب بلحظة غاية في الأهمية تتمثل في خروج سعيد مهران من السجن وفي اصطدامه مع الواقع المر، الواقع الذي تجسد في خيانة زوجته نبوية سليمان مع أحد أتباعه عليش سدرة، ومن هنا تبتدئ قصته المريرة مع الخيانة ومع الرغبة في الانتقام من كل من جعله جسرا للوصول إلى مصالحه الخاصة ذلك أن كل معاني الحب والإخلاص قد باتت محطمة في فؤاده، ومما زاده ألما أنه لم يتمكن من الانتقام من غريمه الذي سلبه حبه الذي طالما عانى من أجل الظفر به.
ولكن خيانة نبوية وعليش ليست بالقضية المهمة الأولى في نفس سعيد، فخيانتهما تهون مقابل خيانة رمز الثورة والحرية روؤف علوان وقد تجلى ذلك في قوله " كل خيانة تهون إلا هذه، يا للفراغ الذي سيلتهم الدنيا" ص فسعيد مهران قد تخوف من خيانة صديقه ومعلمه رؤوف علوان منذ اللقاء الأول وشك في احتمال حدوث لقاء آخر بعدما تفاجأ بعظمة البناية التي أصبحت فيها جريدة الزهرة وبعظمة القصر الذي يعيش فيه بعدما كان سالفا يهاجم من يقطن بمثله ويعتبر خيانتهم مشروعة (ص 47). أحس سعيد بأن خيانته قادمة لا مفر على الرغم من تلك الابتسامة التي حاول إظهارها له أثناء استقباله (ص 32).
نستخلص من هذه المقاطع أن خيانة رؤوف علوان لها مدى أكثر قوة في نفس سعيد من خيانة نبوية وعليش، فتنكر سيف الحرية المسلول لمبادئه وقيمه التي أنبتت جذورها في شخص سعيد قد حطمه كليا وأغلق عليه جميع المنافذ فقد بات قدوته ينادي بقيم لم يعهدها فيه كدعوته لامتهان عمل شريف وبسيط عوض قوله له: "في إحدى يديك أمسك كتابا وفي الأخرى أمسك مسدسا" فقد غلبته المرارة وبادر بالرد بشكل يحمل في طياته تحد " ما أجمل أن ينصحنا الأغنياء بالفقر".
أدرك سعيد أنه لا جدوى من هذه الزيارة فبادر إلى إنهائها مضمرا في أعماق نفسه الانتقام من رؤوف علوان الذي خانه أبشع خيانة فقد اعتبرها خيانة للمجتمع أكثر من أنها خيانة لذاته، دمر رؤوف علوان إذن كل قيمة نبيلة في نفس سعيد مهران بعد انتمائه إلى جانب الطبقات الغنية التي ربى كرهها في قلب سعيد مهران بعد انتمائه إلى جانب الطبقات الغنية التي تعلمها على معلمه متذكرا عبارته: "كي يتخفف المغتصبون من بعض ذنبهم" (ص 47.
وبعد كل ما أصاب سعيد مهران أصبح مطاردا من قبل السلطة، فلم يجد مفرا غير الالتجاء للشيخ علي الجنيدي، لكن الهدوء والطمأنينة قد غابا حتى عن ذلك المسكن البسيط الذي يقطنه فقد راوده حلم في (ص 64-65). نستنتج من خلاله أنه حتى هذا المتصوف الزاهد في الدنيا قد أصبح متواطئا مع الخيانة كقيمة متجسدة في رؤوف وأن الدين والتصوف متواطئان في تدهور المجتمع وقيمه.
وقد كان للصحافة دور أساسي مهم وخطير في معاناة سعيد مهران إذ ساهمت في انتشار الحدث، لكنها هنا لم تلعب ذلك الدور البديهي العادل لأنها تجسدت في شخص الخائن رؤوف الذي استغل منصبه للمساهمة في الإطاحة بسعيد وجعله خلف القضبان، فكل الجرائد هدأ رنينها إلا جريدة "الزهرة" التي باتت تنبش في الماضي لذلك فرؤوف هو نسخة واحدة من نسخ متعددة الأوجه في المجتمع . فإذا كان رؤوف علوان قد دمر كل معاني الحرية والعدل وإذا كان الأمل في الدين أو التصوف مفتقدا أو الصحافة قد مثلها ذلك الوغد الخائن المتنكر لكل شيء، فإن سعيد بعد ثورته على كل ما سبق وبعدما بات مطاردا ومهددا بالسجن أو الموت قد باتت له بارقة أمل وحيدة في حياته وهي الشعب الذي يتحدث عنه كما لو كان عنترة كما قالت له عاشقته نور (ص100) ولكن على الرغم من هذا التأييد والنصر إلا أنه يجد نفسه وحيدا أمام صراعه مع الخونة. ومن بين المعاني التي يمكن أن نستنتجها هي أن سعيد مهران ليس مجرد لص ومجرم عادي ولهذا شرد فكره في الكيفية التي سيحاكم بها خاصة وأن القضاة هم أصلا من طينة الخائن الوغد رؤوف علوان وقد كان في كل مرة تصيب رصاصته الطائشة شخصا بريئا يتمزق داخليا (ص 120) ومن أجل ذلك كله وهب سعيد حياته مقابل الانتقام لمجتمعه من أحد رموز الخيانة في ص 120 قال: " القيم الزائفة حقا هي التي تقدر حياتك بالملاليم وموتك بألف جنيه" وبالتالي فموته هو نصرة لصوت الحرية والشعب وللمنتمي المدافع عن القيم النبيلة والراقية في المجتمع....
الثلاثاء، 28 فبراير 2017
اللص والكلاب
شارك هذا الموضوع
المواضيع المشابهة :
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
المتابعون
المتابعون
Wikipedia
نتائج البحث
بحث هذه المدونة الإلكترونية
الأقسام
تواصل معنا عبر
المشاركات الشائعة
-
الكهرباء هي نوع من انواع الطاقة. التيار الكهربائي هو عملية جريان الطاقة الكهربائية . جميع المواد تتألف من ذرات، و كل ذرة لها مركز يد...
-
7 معلومات قد لا تعرفها عن "واتس آب" 7 معلومات قد لا تعرفها عن "واتس آب" يعد تطبيق واتس آب م...
-
عتبـــــــات النــــــص ''مؤلف اللص والكلاب'' يحيل مفهوم عتبات النص على مداخله بما تتضمنه من ألوان وكتابة وتشكيل. وعتب...
-
-
مقدمة : في الفترة 1912 – 1956 ، خضع المغرب لنظام الحماية ، و قسم إلى ثلاث مناطق نفوذ أجنبي : دولي في طنجة ، إسباني في الريف و الساقية ...
-
مقدمة : انتقلت الحركة الوطنية المغربية من المطالبة بالإصلاحات إلى المطالبة بالاستقلال . و بعد الاستقلال اهتم المغرب باستكمال وحدته التر...
-
مقدمة : في الفترة 1914- 1918 جرت الحرب العالمية الأولى التي دارت بين دول الوسط ( ألمانيا ، الإمبراطورية النمساوية الهنغارية ، الإم...
-
مقدمة : بموازاة الغزو العسكري والتحكم السياسي، خضع المغرب للاستغلال الاستعماري في عهد الحماية. فما هي آليات ومظاهر ونتائج هذا الاست...
-
مقدمة : في الفترة 1939 – 1945 دارت الحرب العالمية الثانية بين دول المحور ( ألمانيا النازية ،إيطاليا الفاشية ، اليابان ) و دول الحلفاء ...
-
مقدمة : أدت الثورة الروسية 1917 إلى قيام النظام الاشتراكي ، و شهدت الأنظمة الديمقراطية بأوربا الغربية أزمات مختلفة في فترة ما بين الحرب...
0 comments
إرسال تعليق
thank you so much